كتاب ـ الأناركية كما نراها ـ ترجمة : مازن كم الماز -1


مقدمة :
العالم الذى نعيش فيه عالم غير معقول ( لا يخضع للعقل ) . حيث يجوع الملايين فى العالم الثالث بينما يراكم المجتمع الاقتصادى الطعام الذى لا يجد من يشترية ، يستخدم قادة العالم العنف لتعزيز السلام . تقاتل الشعوب الصغيرة جيرانها فى سبيل أجزاء صغيرة من الاراضى . تضع الحكومات المكاسب قصيرة الامد قبل الحفاظ على موارد الكوكب . تكدح الغالبية العظمى من العالم من أجل البقاء ، بينما تعيش قله قليلة فى ترف بلا حدود ، الفقراء مضطهدون فى كل مكان من العالم . بينما يواجة النساء والسود إضطهاد وصعوبات إضافية ..


فى مواجهة هذا الجنون تقترح الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) عالما مختلف بالكامل ؛ عوضاً عن النهب ندافع عن التعاون ، ويجب استبدال الفقر المصطنع بالوفرة للجميع ، يجب ان نعيش فى تناغم مع الكوكب لا ضده ، نظام الحكومة والاستغلال الذى اعتبر بديهيا يجب التخلص منه .. نريد هنا ان نشرح ما هو البديل الشيوعى اللاسلطوى ( الأناركى ) ، فعوضاً عن أن يكون مجرد حلم طُوباوى ، انه فى الواقع يقدم أفضل حل ممكن ، عقلانى وعاقل لمشاكل العالم ..


أولاً : نظــام العــفن ـ
نعيش فى عالم غنى ومزدهر . عندما تفكر فى الفقر فى هذا العالم يبدو من الصعب تصديق انه يوجد هناك اكثر مما يكفى للجميع . ينتج ما يكفى من الغذاء فى الواقع ليطعم 3 مرات أكثر مما هو عليه الان . لكن مايزال هناك أُناس لا يحصلون على هذا الغذاء ، بينما يستطيع البعض انفاق الملايين على الحفلات والمآدب لأصدقائهم الأثرياء . حقيقة اننا نعيش فى عالم تسيطر عليه طبقة واحدة شئ واضح لكل شخص . لكن ما الذى نعنية بالطبقية ؟ بأبسط ما يمكن هناك طبقتان : أولئك الذين يلعبون دوراً رئيسياً فى السيطرة على ثروة وموارد العالم ، طبقة السادة الرأسماليين و أولئك الذين عليهم ان يعملوا او ان يحصلوا على المعونات لكى يبقوا على قيد الحياة . اى الطبقة العاملة ..


النظام الطبقى هو جزء ضرورى وأساسى من النظام الاقتصادى الذى يؤثر على حياة كل شخص بسيط فى العالم ، يسمى هذا النظام بـ " الرأسمالية " ورغم أنه يغير شكلة من وقت لأخر،فإنه قد اصبح القوة المهيمنة فى المائتى سنة الأخيرتين ، ذات قدرة عاليه على التكيف؛ وفاسدة وشاملة لك شئ فى نفس الوقت فإن الرأسمالية تُرى من قِبل كل شخص تقريباً على إنها طبيعة وحتمية . لكن الأمر ليس كذلك ..
رغم أن الرأسمالية نظام عالمى للإستغلال واللصوصية حيث تعمل الشركات متعددة الجنسيات فى كل مكان ، فإن أساسة بسيط جداً . ينتج الثروة فى الأساس الناس الذين يستخدمون الأدوات ليحولوا المواد الخام المأخوذة من الطبيعة . لكى يبقوا على قيد الحياة يجبر العمال على ان يبيعوا عملهم ( أو ما يسمى بـ " عبودية العمل المأجور " ) ، وذلك بسعر السوق . فى أثناء عملهم يصنع العمال البضائع التى هى جزء من الحياة اليومية ويوفرون الخدمات . لكن المكافأة التى يحصل عليها العمال بشكل أجور أقل من قيمة المنتجات والخدمات التى أنتجوها .
الفرق فى القيمة بين ما انتجة العمال وما يكسبونه هو أساس الربح الذى يذهب الى الرأسمالى . بهذه الطريقة يتعرض العمال فى كل مكان للسرقة من حصتهم فى موارد الأرض ومن قيمة عملهم . بهذا المعنى فإنهم يتعرضون للإستغلال من خلال قيمة عمل ملايين العمال . يزيد الرأسماليون من قوتهم وثروتهم .


الرأسمالية هى نظام للمنافسة الشديدة العنيفة ، وهى نظام غير مستقر الى حد كبير . تقود الرأسمالية الى أزمات إقتصادية متكررة يمكن فيها الرأسماليون فقط أن ينجو ( يبقوا ) على حساب العمال ، وتتشكل حالة من البطالة الجماعية التى هى ميزة واسمة لحياتنا اليوم ..
تنتج الرأسمالية الأشياء مقابل الربح عوضاً عن أن تفعل ذلك فى سبيل الحاجة " لتلبية الحاجات " . لذلك عوضاً على ان تنتج عددا قليلاً من المُنتجات المُفيدة . تحاول الشركات بإستمرار أن توسع عدد منتجاتها فى سبيل الربح . لذلك نجد فى الأسواق المركزية ( السوبر ماركت ) مزيلات الروائح ، معاجين الاسنان ، بودرة الغسيل .. الأسواق المركزية ( السوبر ماركت ) مثل ، تيسكو ، سينسبرى وآسادا جميعها تبيع نفس المنتجات تقريباً ولجميعها نفس الحافز : أن تجعل المستهليكن  يشترون بضائعها . عوضاً عن أن تكترث بتوفير الأشياء الضرورية لبقائنا ، فإنها تهتم فقط بجنى الأرباح ، لا يكفى أن تكون جائعاً . يجب أيضاً أن تملك المال وسيفضل صانعوا الارباح ترك الطعام يتعفن من أن يطعوه للجوعى والفقراء .
هذا يصبح صارخا ( واضحا ) أكثر عندما تكنز دول المجموعة الأوربية جبالا من اللحم والزبد والحبوب بينما تضرب المجاعة الرهيبة  أجزاء كبيرة فى أفريقيا . فى هذا السياق لإن الافعال الخيرية غير ذات أهمية . إن خلق جبال الغذاء هو نتيجة للنقص المفروض ، الذى يعنى فى السوق، اسعارا اعلى وارباحا أكثر ، بيروقراطيو المجموعة الأوربية يفضلون رمى جبل الغذاء هذا فى البحر، عن أن يهددوا الربحية أوالارباح . هذا الشئ يحدث فى كل العالم ..
بحثاً عن الأرباح انتقلت الرأسمالية الى عصر الإستهلاك . يطلب الينا ان نشترى ونشترى ونشترى ، حتى الاطفال ليسوا آمنين من المعلنين الذين يقتحمون بيوتنا ويغطون كل بقعة متاحة بلوحات اعلاناتهم وشعاراتهم وشارات متاجرهم . لا تستطيع الصحف والمجلات البقاء ما لم تُحشى بالإعلانات ..  بمساعدة المصادر التكنولوجية الهائلة تخلق الرأسماليةه منتجات جديدة تتفوق على السابقة ؛ أنظر فقط على تغير تكنولوجيا الكاميرات على مر السنين ، أن اعجوبة السنة الماضية من التكنولوجيا أصبحت لاغية اليوم . علينا ان نشترى أخر منتج .. افضل منتج


نزعة استهلاكية كهذه ليست قاصرة على البلدان الغربية المتقدمة ، حتى أفقر المدن الافريقية تغطيها الاعلانات التى تحث الناس على شراء منتجات غير نافعة وحتى خطيرة
، لكنها الطبقة العاملة فى العالم الثالث هى التى تعانى أشد من غيرها ، بسبب الرأسمالية العالمية . بينما تحصل الطبقة الحاكمة على نصيبها من الثروة ـ فمواردها منهوبة ـ ويجبر عمالها فقط على الحياة بمستوى يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة ، اجزاء كثيرة من أفريقيا لا تستطيع ان تطعم شعوبها ـ لكنها تزرع الغذاء لغايات التصدير ! 
أصبح جنوب شرق آسيا محل العمل الشاق ومبغى العالم فى نفس الوقت فى كل مكان ، تخترق الرأسمالية كل جوانب الحياة .. حقاً انه نظام عفن ،،


ثانيا : السيطـرة الإجتمـاعية -
نتيجة للحياة فى ظل نظام كهذا ، يصاب الكثير من العمال بالحيرة ( التشوش ) بشكل طبيعى لدرجة او أخرى فى معظم الوقت ، للحفاظ على السلام والنظام فى المجتمع ، ظهرت مجموعة كاملة من الاساليب للسيطرة على البشر ، أكثرها قوة هى الدولة، مع ذلك توجد تقنيات السيطرة الاجتماعية فى كل مستويات المجتمع ،،
تعمل الدولة متحالفة مع الرأسمالية ، التى تتقاسم معها كثيراً من المصالح المشتركة ، تقدم الرأسمالية للدولة نظاماً إقتصادياً يمولها من خلال الاستغلال ـ الدولة بدورها توفر نظاما يسمح للرأسمالية بالقيام بأعمالها بشكل جيد ، فى بلدان مثل كوبا ، كوريا الشمالية ، الصين .. الخ ، فانهما تندمجان فى نظام واحد ان افضل وصف له هو " رأسمالية الدولة "


الدولة هى فى الاساس نظام للعنف المُنظم للحفاظ على هيمنة الطبقة الرأسماليه الحاكمة . لكن النظام أفضل ما يحقق من خلال قبول الناس ، أكثر منه من خلال القوة العارية ( المباشرة ) . بالنتيجة ، تحتوى الدولة المعاصرة على عناصر تهتم بمحاولة جعلنا نُفكر بطرق معينة ونتصرف كمواطنين مطيعين ! للدولة أيضاً وجه لطيف ظاهريا فى انها توفر منافع رفاهية يفترض ان تكون لمساعدة الفقير ، المريض ، المتقدم فى السن .
عبر أساليب الحكومات التى تعمل داخل النظام البرلمانى والخدمة المدنية ، تسيطر الدولة على عملياتها ، القوات المسلحة ،قوة الشرطة ، المحاكم والسجون .. جميعها تعمل لتسيطر علينا جسديا ( مادياً )  انهم عملاء وحشيون ( قُسـاة ) يوقعون العقاب بنا اذ حاولنا مناقشة " حقهم " فى حكمنا .. الدولة وقوات القمع التابعة لها ليست محايدة بأى حال من الاحوال ، وتعارض بقوة النضال فى سبيل التحرر.
دولة الرفاه ، منظومة المدارس والعمال الاجتماعيين .. الخ ، يبدو انهم جميعاً يحملون مصالحنا فى قلوبهم لكنهم فى الواقع اشكال مختلفة وأكثر تخفياً فقط للسيطرة أو انها قد اصبحت ضرورية لأسباب اقتصادية .
توجد الخدمة ( الرعاية ) الصحية اساساً للحفاظ على قوة عمل جيدة الصحة لكن فقط للدرجة التى يحتاج فيها النظام الى عمال أصحاء ليعملوا . تناول السجاير والكحول سببان هامان للمرض، لكنهما يمنحان للدولة قدراً كبير من المال بشكل ضرائب !
ولذلك لم تكن هناك اى محاولة جدية لتقويض ربحية هاتين الصناعتين .. فقط الارباح تأتى قبل الصحة !!
بشكل مشابة فأن منظومة التعليم ، بطريقة أكثر وضوحاً تنظم لتؤمن قوة عمل يمكن ان تقرأ وتكتب وتقوم بالحسابات الأساسية ، أضافة الى تعلم كيف تطيع الأوامر وتقبل السيطرة من الأعلى ، يملأ المعلمون رؤوس تلامذتهم الصغار بالافكار المقبولة من طرف الطبقة الحاكمة ..
هذه الافكار تعززها وسائل الاعلام الجماهيرية بما فى ذلك التليفزيون والراديو ، صناعة الافلام ، المجلات ، يقومون فيما بينهم بخلق منظومة أفكار تعرف عادة بالـ حس " الرأى " العام ... والراى العام هو منظومة القيم الدارجة للطبقة المستغلة التى تقف فى مواجهة الطبقة العاملة . هكذا فإن الدين ، القومية ، العنصرية ، الوطنية ، والتميز الجنسى التى تضعف من تضامن الطبقة العاملة تصبح شائعة بين الطبقة العاملة ذاتها .


كل هذه العوامل تساهم فى الوهم بأن هناك حرية ، عدالة ، مساواة وديمقراطية ، بينما تقوى فى الحقيقة قبضة الرأسمالية والدولة .. 
خذ الديمقراطية كمثال ؛ اياً كان الحزب الذى يربح الانتخابات العامة ، فإن الرأسمالية والدولة تبقيان بمنآى عن اى تأثير او تغيير الى حد كبير ، ستبقى الطبقة العاملة عُرضة للاستغلال والاضطهاد وسيحتفظ الاغنياء والأقوياء بإمتيازاتهم ، بما ان حزب المحافظين منخرط بشكل اكثر مباشرة فى اقامة الهيمنة ، فانه فى مواقع افضل للنجاح فى الانتخابات ، اما حزب العمال حتى عندما يعطى فرصة الحكم فإنة يتصرف بمثابة عميل أليف للرأسمالية ..
خارج الدولة توجد منظمات تدعى تمثيل مصالح الطبقة العاملة بينما تساعد فى حقيقة الأمر فى الحفاظ على منظومة الاضطهاد والاستغلال ، النقابات هى امثلة على هذه المنظمات  ، اولا انها تضعف اى احساس بالهدف والتضامن داخل المعامل والصناعات بتقسيم العمال حسب مستوى مهاراتهم، هذا يؤيد الاختلافات فى الدخل والوضعية ( الاجتماعية ) داخل الطبقة العاملة ، وبخلق " ارستقراطية عمالية " ، ثانيا تنظيم النقابات غالبا على اساس الصناعات وبهذا فإنها تقسم النضال ، كم مرة كسرت الاضرابات فى صناعات مختلفة . فقط لكى يستفاد بها واحدة تلو الاخرى ؟
النقابات هى ايضاً منظمات بيروقراطية ذات مصالح منفصلة عن مصالح العمال الذين تدعى قيادتهم .. يريد اعضاء النقابات ان ينتصروا فى الاضرابات ، يريد قادة النقابات ان يحافظوا على نمط حياتهم المريح . عندما يتعارض هذان الاثنان يتعرض العمال للخيانة ، بيروقراطيات النقابات منخرطة بشكل عميق فى الرأسمالية من خلال استثماراتها ، ملكياتها الخاصة .. الخ ،
كل عملية التفاوض بين النقابات والادارة ( التى تعرف بالمفاوضة الجماعية ) تخدم فقط فى أفضل الاحوال حصول العمال على بعض الفوائد الاضافيه بينما تحافظ على منظومة الاستغلال سليمة .
على مستوى أخر .. يتعلم الاطفال غالبا من آبائهم ( كما فعلوا هم من آبائهم ايضا )
افكار سيطرة الذكر ،العنصرية ،الوطنية ، وضرورة الهيمنة والخضوع .. الطرق التى يقدم فيها الناس لعضهم البعض تعزز غالبا من هذه المظالم الفردية التى يجب تحديها ،،



0 للتعليق >>> إضغط هنا: