!لماذا خلق الله الدنيا





من الميلاد الى الموت والإنسان فى صراع مادته وترابه يشدانه إلى تحت ، وروحة تشدّه الى فوق . صِراع بين  عدم .. ووجود 
والعدم ليس مجرد خواء.. أو لا شئ، وانما العدم قوة سالبة بمثل ما أن الوجود قوة موجبة .
المرض والشيب والشيخوخة والذبول والهزال قوى عديمة سالبة ، غلبت على الجسم . فجعلته مريضاُ ذابلا هزيلا ..
فإذا غلبت هذه القوى العدمية على النفس ، جعلت المزاج النفسى مُتشائماً يائساً قلقا سوداوياً كئيباً .. فإذا غلبت على القلب نزلت به الى درك الحقد والأنانية والكبر والغرور والنفاق والشهوة .
فإذا غلبت على العقل أظلمته بغواشى الجهالة والغباء والبلادة .
فإذا أغشيت البصيرة ألقت بها فى مهاوى الكفر والشرك والظلم . وللعدم جيوش وفرسان .. وله جنود مجنده . .  السوس الذى ينخر .. والبكتيريا التى تحلل وتهدم .. الفيروسات التى تنشر الفوضى والتلف .. مروجوا المخدرات ، ناشرو الفتن ، وتجار الشهوات ..
التتار ، الهكسوس ، والوندال ، الذين هدموا الحضارات .
كل هؤلاء جنود العدم وفرسانه !
ومن وراء الغيب .. إبليس وذريته ، أكبر قوة سالبه عدمية .. شعاره ورايته التى يلوح بها .. أنا .. أنا .. أنا خير منه ..
وهو يجرى فينا مجرى الدم، بمقدار ما يقول الواحد فينا .. أنا .. أنا .. أنا خير منه 
ولكن الله لم يتركنا نهباً للقوى العدمية السالبة وإنما أعطانا أعلى شحنة موجبة حينما نفخ فينا من روحه .
والله هو الفاعل الإيجابى الخالص نفخته روح ، وكلمته روح ، وحينما تلابس روحة المادة ، تخلع عليها الصور والنظام والحياة والحركه والشباب والصحة والعقل والوعى والفهم ، والسجايا والفضائل .
والحياة بالروح ، هى الحياة الحقّة بلا مرض وبلا موت ، وبلا شيخوخة .
وغلبة الروح على النفس ، تنزع بها الكمال والنقاء والطهر .
وغلبة الروح على العقل تنزع به إلى الإدراك ، والعلم والمعرفة
وغلبة الروح على الجسد تداوى أسقامه .. وتشفى أمراضه .
ولعالم الروح جنوده المجنده من الملائكة مثلما لعالم الظلمة شياطينه . وقد أطلق الله القوى السالبة العدمية ، تنازع القوى الموجبة الوجودية بمشيئته وخطته .. وانفرد بالهيمنه لا ينازعه أحد فى ملكه .
وخلق النفس الإنسانية قابلة للانفعال بالقوتين السالبة .. والموجبة قابلة للانحدار الإبليسى أو التحليق الملائكى .. وجعلها مجال صِراع وحلبة قتال 
  (  لقد خلقنا الإنسان فى كبد  )
أى فى مكابدة.
ومن خلال هذا القتال ينكشف محتوى النفس ويتجلى سرها وتتقرر منزلتها ويظهر مرادها .. ويتأكد إنتماؤها .
وهذه هى الدنيا وحكمتها .
  ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا  )
الدنيا هى المناسبة .. هى المناسبة للتعرف .
هى سائل التحميض الذى يظهر الظل والنور فى الصور الفوتوغرافية . وهكذا تتفاضل النفوس وتتقرر مراتبها ودرجاتِها .
هى مناسبة للتعرف ، خلقها الله ليعطينا من فضله ومن عدله ، يحسب إستحقاقات يعلمها منذ الأزل ، ولا نعلمها نحن .
والدنيا هى حادثة إعلامنا وتعريفنا بأنفسنا .. وإعلام وتعريف كافة شهود الحدث من إنس وجن وملائكة وشياطين .
فلا تصح القضايا الا اذا تم إعلام جميع الأطراف .
وعلم الله لا يقوم حجة على خلقة إذا كان هؤلاء الخلق جاهلين .
فكان لابد من إعلام شامل كامل .
والدنيا هى الإعلام الشامل الكامل .
وهى ملف الأحوال والأعمال والنوايا والخفايا لكل نفس .
ثم بعد ذلك يآتى النشر والحشر والجمع والفصل .
وقد رتب الله كل هذا من أجل ان يعطى ويهب ويمنح .. فما خلقنا إلا ليعطينا .
لم يخلقنا لعذاب .
وما أنزل علينا الشرائع والتكاليف إلا ليسعدنا .
 ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقىّ  )
وفى سنتة يعطى كل مخلوق ما يحب .
الذى يحب الدنيا .. يعطيه من الدنيا ، والذى يحب الآخرة يعطيه من الآخرة .. والذى يعشق الظلمة ، يتركه للظلمة .
ومن النفوس ما لا تلذ لها إلا حياة الاشتعال والاحتراق والشهوات ..  تلك النفوس كانت بضعة من النار فإنتهت الى النار بحكم المشاكلة والمجانسة ولم يصح لها مقام إلا فيها ولم يكن لها حظ من جنة لأنها أصلا لا تحب الجنة .. إنما يعطى الله كل نفس ما تحب .
 ( وآتاكم من كل ما سألتموه  )
( كلا نُمِد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ) ..
فقد جعل الله من نفسة وكيلا لنا ينفذ لنا رغباتنا .. ثم تكون كل نفس بعد ذلك ما كسبت رهينة .
وإذا كان الله يقول :
 ( وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون  )
فليس ذلك عن إحتياج منه لعبادتنا ، وإنما لآحتياجنا نحن لعبادته .. ولأن العبادة هى الحبل السرى الذى يربطنا به والذى عن طريقه يأتى المدد والعطاء مثلما يآتى الغذاء للجنين من الام عن طريق الحبل السرى ، فإذا انقطع هذا الحبل انقطع عن الجنين غذاؤه .. وبالمثل اذا قطعت هذا الحبل بينك وبين الله ، فقد حرمت نفسك من شريان المدد والعطاء ولم يحرمك ربك بل أنت  الذى حرمت نفسك وقطعت رحمك .
وإنما الله رحمة خالصة ، وعطاء خالص ، وقرب خالص
وإنما الجفوة والبعد والقطيعة منا .
وما الدنيا بكل ما فيها الا عطاء عاجل مؤقت يعقبه فى الآخرة عطاء آجل ذائم فما خلقنا الله إلا ليعطينا فى العاجل وفى الآجل .
ألم ينفخ فينا روحة ويخلع علينا أسماءه ويسجد لنا ملائكته ويسخر لنا سماواته ويفتح لنا كنوز أرزاقه ويطعمنا كفارا ومؤمنين ثم بعد ذلك يعدنا بميراث الخلود ، فماذا بعد ذلك 
وهل فى الامكان عطاء أكثر ؟
لو كان هناك أكثر فإنه هو ايضا الوحيد القادر على اعطائه .. فهو وحده معطى الكثير والأكثر والكوثر 
فهو يقول لعبده :
 ( إنا أعطيناك الكوثر )
ومن أجل ذلك خلقه .
فما خلق الا ليعطى وما خلق الا ليرحم ..
ذلكم الله ربكم لا يكافئه ثناء ولا يتناهى الى قدره حمد .
لا آله إلا هو له الحمد فى الأولى والآخرة .

من كتاب ( هل هو عصر الجنون ) لـ : مصطفى محمود .

3 للتعليق >>> إضغط هنا:

  zeina samer

13/11/11

لا آله إلا هو له الحمد فى الأولى والآخرة .
رحم الله الدكتور مصطفى محمود اللى كل ما بقرأ كلامه بحس انه بيجاوب على علامات استفهام كتييييييييييرة اوى فى ذهنى  زى(  لقد خلقنا الإنسان فى كبد  )أى فى مكابدة.ومن خلال هذا القتال ينكشف محتوى النفس ويتجلى سرها وتتقرر منزلتها ويظهر مرادها .. ويتأكد إنتماؤها .سبحان الله بجد انا عارفة المكابدة دى جدااااااا وتقريبا عايشة فيهاربنا يجازيك خير يا احمد "الدال على الخير كفاعله"

  zeina samer

13/11/11

( وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون  )فليس ذلك عن إحتياج منه لعبادتنا ، وإنما لآحتياجنا نحن لعبادته .فعلالالالالالالالالالالالالالالالا

  أحمد نجم

13/12/11

جزانا الله وآياكم كل خير   :)